من دعائم البناء الحضاري لأمة الإسلام (اللغة العربية)

من دعائم البناء الحضاري لأمة الإسلام(اللغة العربية)
الحمد لله أنزل الذِّكرى بلسان عربي وحفظه، ودَلَّ عبده على طريق الهدى وبَشَّرَه وأنذره ووعظه، له الملكُ وله الحمد، بسط الآمال ونشرها، وطوى الآجال وسترها، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وَسِعَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا، وقَدَّرَ المقادير حكمةً وحكمًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تقي النَّدَامة يوم الحسرة، وتنجي صاحبها ساعة العسرة.وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، بَلَّغَ الرسالة، وأَوْضَحَ الدَّلالة، صَلَّى الله وسلم وباركَ عليه وعلى آله المُكَرَّمينَ الأطهار، وأصحابه السَّادة الأبرار، والتَّابعين ومَنْ تبعهم بإحسانٍ ما تعاقَبَ اللَّيل والنَّهار، وسَلَّم تسليمًا كثيرًا.أمَّا بعدُ:فأوصيكم - أيُّها النَّاس ونفسي بتقوى الله - عَزَّ وجَلَّ. فاتقوا الله - رحمكم الله - واحذروا اتِّباع الهوى وطول الأمل، فاتِّباع الهوى يصدُّ عن الحق، وطول الأمل يُنسي الآخرة، ومَن صَبَر على مخالفة هوى نفسه أوصله الله مقام أُنسه، ومَن استغرقَ في المَلَذَّات دخل في لُجَّة النَّدامات، ومَن غلبت عليه شهواته بَعُد عليه التَّوفيق ومقاماته، فالهَوى - رحمكم الله - يُردي، والخوف منَ الله يُقَرِّب ويُغني: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 37 - 41].. أيها المسلمون:أمَّة الإسلام خير أمَّة أخرجت للنَّاس، تأمُر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله، لها مكانتُها، ولها دورها الحضاري، وفي الأزمنة المتأخِّرة أصابها ما أصابها، وأحاط بشعوبها ما أحاط من عند أنفسهم ومن خارج أنفسهم.ومن أعظم أسباب ذلكَ: أنَّ الأمَّة لا تَتَبَنَّى مشروعًا للإصلاح ينهض بها على الأصعدة كافَّة، يَتَّفق مع مبادئها، ويراعي خصائصها، وينسجم مع عصرها، ويوظف مستجدات زمانها، وهذا حديثٌ عن ركن من أركان البناء الحضاري، لا يُتصور بناء حقيقي وإشادة كيان مُستقل بدونه، حديث عن عنصر قال عنه أهل الاختصاص والمُنَظِّرون: إنَّه قرين الذات، وهو لازم الهُوية، وركن الحضارات. إنَّه صورة وجود الأمة بأفكارها ومعانيها وحقائق نفوسها، بوجوده تَتَمَيَّز الأمة قائمةً بخصائصها، وتتَّحد به الأمة في صورة تفكيرها؛ بل قالوا: إنَّه أعظم عوامل الوَحدة وأهم أسبابها بعد دينها وعقيدتها.أتدرون ما هذا الركن الركين - حفظكم الله - وما هذا العنصر الأساس؟ إنَّه - حفظكم الله - لغة الأمَّة ولسانها.اللغة هي الوعاء الحامل لحضارة الأمة الحافظ لتاريخها وعطائها وإسهاماتها في الحضارات الإسلاميَّة، اللغة ليستْ هي الأداة التي يستخدمها الفكر ويعبر عنها؛ ولكنها أيضًا إضافةً إلى ذلكَ هي الوعاء الذي يَتَكَوَّن فيه الفكر. ألم ترَ إلى الطفل يتعلَّم التفكير منَ الكلمات التي تجتمع لديه ويشب عليها؟!اللغة نشاطٌ عقليٌّ يمتزج بالمهارات المكتَسبة والحركات النَّفسيَّة والوجدانية؛ ليصبح في الإنسان هُوية صادقة تعبِّر عن ذاته وعن مكانه في الحياة.واللغة هي مرآة العقل وأداة التفكير، لغة الأمَّة هي التي تحتضن مخزونها الثقافي ومخزونها العاطفي؛ لتُكَوِّن عقلية أهلها الذين يَتَحَدَّثون بها ويتعلمون بها، وتسوغ نفسياتهم وطريقة تفكيرهم، فاللغة فكرٌ ناطقٌ، والتفكير لغةٌ صامتةٌ.ومن هنا فإن تفكير الأمة ولسانها مترابطان؛ فاللغة مخزون الأمة تنقله من جيل إلى جيل؛ بل إنَّ منَ الحكم البالغة والقواعد المترسخة أنَّ اللغة هي مفتاح عبقرية الأمة، والوطن ذو اللغات المتعددة يجعل وحدته تعيش ضغطًا لا يكاد يُطاق، ولقد علمتم كيف كان المستعمر يجهد كل الجهد ليفصل البلاد المستعمَرة عن لغتها، أو يحيي فيها لغات مُندَثرة؛ ليثير فيها النَّعرات والانقسامات.أيُّها الإخوة:فإذا كانت هذه بعض الإشارات لِمَنزلة اللغة وموقعها في بناء الأمة والحضارة؛ فكيف إذا كان الحديث عن لغة الوحي ولغة التنزيل، لغة القرآن الكريم، أقدم اللغات الحيَّة على وجه الأرض، محفوظةٌ بحفظ كتاب الله في بقائها، وبنائها، وتركيبها، وقواعدها، وتصريفها؟!!لم يمر بالعربية حَدَث أعظم من الإسلام ونزول القرآن على محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - تَحَوَّلَ فيها لسان العرب إلى شعرٍ يتنافس فيه أهل الإسلام في ديارهم كافة: درسًا وعنايةً، تعلمًا وتعليمًا، لا لنُفوز سياسيٍّ ولا لسبق حضاري؛ ولكن دين وقربة.. الإسلام جعل للعربية الصدارة والاهتمام تكلُّمًا وتعلمًا، يغار عليها كل مسلم، ويطمح إلى إتقانها كل مصلٍّ ومتعبد.لقد بلغت اللغة ما بلغه الإسلام دارًا وانتشارًا، واستوعبت ما أتت عليه الحضارات السابقة قبلها، وصاغتها حضارة واحدة إسلاميَّة الصبغة، عالمية المنزع، إنسانيَّة الرؤية، لغة عظيمة حملت حضارة العالم أكثر من أربعة عشر قرنًا.يقول خبراء اللغة: لأول مرَّة في تاريخ البشريَّة - على ما يُعلم مِنَ التاريخ الموثوق به - أن يُكتب للسانٍ طبيعيٍّ أن يعمَّر ما يزيد على سبعة عشر قرنًا، محتفظًا بمنظومته الصَّوتيَّة والصرفيَّة والنَّحويَّة، فيطوِّعها جميعًا ليواكب التَّطَوُّر في الدَّلالات، دون أن يتزعزع نظامه من داخله. بينما المعهود في تاريخ اللِّسانيات والتاريخ اللغوي المقارن أن أربعة قرون هي الحد الأقصى الذي يدخل بعده التغيير التدريجي لمكونات المنظومة اللغويَّة!!وبعض بني قومنا المعاصرين يحبُّون أن يسمعوا ما يقوله أجانب هذا الوقت من خبراء اللغة وأساطينها؛ فهذا أجنبي يقول: "اللُّغة العربية بدأت على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشريَّة، فليس لها طفولةٌُ ولا شيخوخة!!". ويقول آخر: "اللغة العربية أغنى لغات العالم". ويقول ثالث: "إنَّ للعَرَبيَّة لينًا ومرونةً يُمَكِّنانها من التَّكَيُّف وفقًا لمُقتضيات العصر".أيها الإخوة المسلمون:ومع هذا - وأكثر من هذا - فقد ظَهَر دعواتٌ هنا وهناك، وانبرى قومٌ منَ العربيَّة يريدون تعجيم التعليم!! والمصيبة كل المصيبة إن كانوا لا يعلمون أنَّ إهمال اللغة ضياعٌ للأمة، والمقدمة الطبيعية لفنائها واستئصالها، فتِلْكُم هي علة العلل وأم المشكلات.ليس في العالم أمة عزيزة الجانب، صادقة الانتماء، تقدم لغة غيرها على لغتها؛ فاللغة الأجنبية طاردةٌ للانتماء، وهي احتلالٌ عقليٌّ في الشُّعوب التي ضعف انتماؤها، وإذا هانت عليهم لغتهم سادت لغة الأجنبي، ومن ثَمَّ أثرت في السلوك والمسيرة. أما إذا عزَّت اللغة عند أهلها؛ فلن تكونَ اللغة الأجنبية إلاَّ خادمةً يُنتفع بها، ويُرتفق بها، ويصبح كلَّ شيءٍ أجنبيٍّ خاضعًا لقوَّة الإيمان بحقِّ الأمة ومجدها واستقلالها.إنَّ الذين يحسبون أنهم يُحسنون صنعًا في التعليم باللغة الأجنبيَّة واهمون ثم واهمون! إنَّهم يخسرون ولا يربحون، ويفشلون ولا ينجحون، ويتأخَّرون ولا يتقدَّمون.لا يوجد صورة انهزاميَّة ولا شعور بالنَّقص أشد من انتقاص الفرد للغته وانصرافه عنها، وإذا أردتم مزيدَ إيضاحٍ لصور انهزاميَّة وضعف إدراك وضيق النظرة - فانظروا كيف الحال مع أقوامٍ يَرَون اللغة الأجنبية مهمةً لعامل بدَّالة الهاتف، وخادم الفندق، وحامل الحقائب، وسائق سيارات الأجرة والحافلة، ونادل المقهى والمطعم، ومندوب المبيعات، مع أن هؤلاء جميعًا يتعاملون مع أصحاب اللغة الأم وليس مع الأجانب!!ومما لا يختلف فيه اثنان أنَّ خطَّة المستعمِر حين الاستعمار مسخ لغة أهل البلاد؛ إما بالقضاء عليها بالكليَّة، وإمَّا بتنحيتها؛ حتى لا تكون لغة التعليم والتجارة والتعامل. ولقد نجح في بعض هذه الدول فمسخ لغتها وهويَّتها، وقطعها عن تراثها، ولم يمنحها تقدُّمًا، ولم ينفعها ذلك حين رامت التَّقَدم.نعم؛ لقد كانت اللغة هي هدف المستعمر الأول، فلن يَتَحَول شعب أول ما يتحوَّل إلاَّ من خلال لغته، وحينئذٍ يتحوَّل في أفكاره وعواطفه وأمله، وهو إذا انقطع من نسب لغته انقطع من نسب ماضيه، وبقي صورةً في التأريخ محنَّطة، لا حياة له في الوجود محقَّقة.إن المستعمر أوَّل ما يعمد إلى لغة الشعب الضعيف المهزوم المستعمَر، فينزع اللغة من أفواه الصغار والناشئة؛ لأنَّ منَ المسلَّمات الثَّوابت أنَّ اللغة إذا اختفت من ألسنة الصغار وأقلامهم فقد قُضي على الجميع بالفناء، ولقد قال بعض قادة الاستعمار: "علِّموا القوم لغتكم؛ ففي تعليمها خدمة وطنكم الحقيقية".ومن مزيد الاستخداع والضَّعف والانهزام، وغرائب هذا المسار: ربطهم بين التَّعلُّم باللغة الأجنبيَّة والتَّعليم بها، وبين التَّفَوُّق والتَّقَدُّم، ولو كان الأمر كذلك لكان كثير مما يصير بالعالَم الثالث ممن يَتَحَدَّث لغة الأجنبي، وصارت لغته الرَّسميَّة - لو كان الأمر كذلك؛ لكان هذا البعض من العالم الثالث متقدِّمًا متفوِّقًا، والواقع أن ذلك لم يزدهم إلا خسارًا!! إن هذه الشعوب المنسوخة الممسوخة هي من أكثر الشعوب تخلفًا، وأشدها فقرًا، وأكثرها حاجة وقبولاً للمساعدات الخارجيَّة المشروطة منها وغير المشروطة، وأكثرها تبعيَّةً واستخداعًا، مع أنَّها تعلِّم باللغة الأجنبية.وإن مَنْ يربط بين اللغة الأجنبية والتَّقَدُّم - كمن يظنُّ أن لبس النظارة كافيًا في محو الأميَّة! وأنَّ وضع العمامة على الرأس كافٍ في الانتساب إلى أهل العلم!!يقابل هؤلاء - رعاكم الله - أممًا خرجت منَ التَّخَلُّف إلى التقدم، وهي لم تعلِّم ولم تتعلَّم إلاَّ بلغة أهلها وشعبها، وسبقت دولاً تتكلَّم بالأجنبية وتعلِّم بها وتتعلَّم بها.نعم؛ إن الأمم لا تنهض إلا بلغاتها، وإن لكم في شرق العالم وشرقه الأقصى المتقدِّم لَعِبْرَةً، وإن فيه لدرسًا لأولئك الذين يسارعون إلى تفسير الهزيمة والإحباط والتخلف في ديارنا بأنه ظاهرة لغويَّة.عباد الله:التَّعليم بغير اللغة الأم يُنتج غربةً فكريَّةً، وفُرقةً ثقافيةً، وتمايزًا طبقيًّا، ليس في العالم أمةً عزيزة الجانب تقدِّم لغة غيرها على لغتها، وإنَّكَ لترى الذين يتعلَّقون باللغة الأجنبية ينزعون إلى أهلها ويستحقرون لغتهم، ويخجلون من أمتهم ووطنيَّتهم، وينفرون من لسانهم، وينقادون بالميول والحب لغيرهم، وتكون العواطف في دمائهم الأجنبية، ومن ثَمَّ تصبح قِيَم الأشياء عندهم بمصدرها لا بحقائقها، فيكون الشيء الأجنبي في نظراتهم أثمن الأشياء وأجملها؛ لأنَّه إليه الميل، وفيه الإكبار والإعظام، وقد يكون الوطني مثله أو أجمل منه وأثمن؛ ولكن ميلهم إليه ضعيف فضعفت صلته بنفوسهم، وضعفت ميزاتهم وميزانه عندهم.والعجب العُجاب في أمر هؤلاءِ أنَّ أشياء الأجنبي لا تحمل معانيها السَّاحرة في نفوسهم إلاَّ إذا بقيت حاملة أسماءها الأجنبيَّة!! فإن سُمِّي الأجنبي بلغة قومهم؛ نقص معناه، وصغر مقامه، وظهرت فيه ذلةٌ واحتقارٌ، وما ذلك إلا لصِغَر نفوسهم وذلَّتها؛ إذ لا يعتزون بأهلهم ودارهم فما ينهيهم الحرف من لغتهم مثل ما ينهيهم الحرف الأجنبي، وانظروا في بعض اللَّوحات اليابانيَّة والأسماء التجاريَّة - فالله المستعان.وبعد؛ عباد الله:. فاللغة هي صورة وجود الأمة بأفكارها وحقائق نفوسها، وإذا كانت الأمة حريصةً على لغتها، ناهضةً بها، معتزَّةً بها، مُعلِيَةً لشأنها - دلَّ على قوَّة الأمَّة وسيادتها لأمرها وأخذها لحقِّها، أمَّا إذا أهملت اللغة، وحقرت من شأنها، وآثرت غيرها بالحب والإكبار - فهي خادمةٌ لا مخدومة، تابعةٌ لا متبوعة، ضعيفةٌ عن تكاليف السِّيادة، لا تُطيق حملَ عظيم ميراثها.كيف أيُّها المسلمون؟! كيف أيها المسلمون ولغتنا لغة الدين والفكر والهويَّة، لغة العروبة والإسلام، مع يقيننا بأنها خالدة بخلود القرآن الكريم، محفوظة بحفظة عزيزة بعزة؟!ومَرَّة أخرى؛ فالعربيَّة لغةٌ مصونةٌ مرعيَّةٌ برعاية الله، محفوظةٌ بحفظه، رَقَت مراقيَ المجد، وعَلَت درجات السُّمو، يحفظها ربها، ويهيؤها ويُهَيئ لها، وهذه حقائق وضمانات لا يعسر إدراكها، ولا يصعب التدريب عليها.أعوذ بالله منَ الشَّيطان الرَّجيم: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 192 - 195].نَفَعَني الله وإياكم بالقرآن العزيز، وبهَدي محمد - صَلَّى الله عليه وسَلَّم، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.الخطبة الثانيةالحمد لله العظيم شأنه، القاهر سلطانه، نحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا شأن عن شأن يشغله، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبد الله ورسوله، عزَّ مقامه، وعَلَت فضائله - صَلَّى الله وسَلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، صدقوا الله فأنجز لهم ما وعدهم، والتابعين ومَنْ تبعهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.أما بعدُ، أيُّها المسلمون:إنَّ للنهضة والتَّقَدُّم شروطًا ليس منها التَّعَلُّم باللغة الأجنبيَّة، ولكن من أهمِّها - إن لم يكن أهمها -: التعلُّم والتعليم باللغة الأم في كل مراحل التعليم وموضوعاته وأنواعه، وشيوع استعمالها في المؤسسات الخدميَّة والعلميَّة والإعلاميَّة، والاقتصاد والسياسة والتجارة، مع التَّلَقِّي الناضج والإبداع في المناهج، ومُوَاكَبة المُستَجَدات في التعليم ووسائله وتقنياته، وتعريب المُصطلحات لا تعجيمها، وتسهيل اكتساب اللغة وتيسيرها، وحَوْسَبَة اللغة و(برمجتها)، ووضع سياسةٍ لغويَّة واضحة وصريحة، وإصدار تنظيمات صارمة مُلزمة حتميَّة التَّنفيذ، وتجريم المخالف ومعاقبته.فهل نأخذ الدُّروس منَ القوم الجادِّين الذين يعرفون أين تكمُن مصلحتهم وعزتهم وقوتهم وأصالتهم واستقلالهم؟! فكل الدول المتقدمة واليقظة تدرك ذلك وتأخذ به؛ أمَّا الضعاف المهازيل فهم الذين يلهثون خلف سراب اللغة الأجنبيَّة.. وبعدُ؛ فالحديث ليس أنَّ أهميَّة اللغة الأجنبيَّة وتعلُّمها والاهتمام بها - فذلكَ لا مانع منه، وأهميته وفائدته ظاهرة، والحاجة إليه قائمة، ولا سيَّما لبعض الفئات والمجالات، كما أنَّ الدَّعوة إلى التَّمَسُّك باللغة الأم ليست دعوةً إلى التَّقَوقُع والانغلاق والانكفاء على الذات، وليست دعوةً إلى تعلُّم لغةٍ أجنبيَّة أو أكثر؛ ولكنَّها دعوة إلى منع التَّعليم بها؛ فتعلُّم اللغة الأجنبيَّة شيءٌ وقلب مناهج التعليم ومواده لتكون بغير لسان الأمة ولغتها شيءٌ آخر؛ بل هذا وربِّكم مُضرٌّ، ماسخ للهُوية وللسيادة، وللقُوة والعزَّة والاستقلال.ألا فاتقوا الله - رحمكم الله - وتبصَّروا في أموركم، وانهجوا النَّهج الأقوم، واعرفوا سبيل التَّقَدُّم.هذا وصلُّوا وسلِّموا على الرَّحمة المُهداه، والنِّعمة المسداة، نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم فقال - عَزَّ من قائل عليم - في مُحكَم تنزيله قولاً كريمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] .اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، صاحب الوجه الأنور؛ والجبين الأزهر والخلق الأكمل؛ وعلى آل بيته الطَّيبين الطَّاهرين؛ وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛ وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الأربعة الرَّاشدين والأئمة المَهديين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن الصَّحابة أجمعين، والتابعين ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين، ووعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.. اللهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، اللهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، اللهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشِّرك والمشركين، واحمي حوزة الدِّين، وانصر عبادك المؤمنين.اللهمَّ أمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيما خافك واتقاك واتبعك يا رب العالمين، اللهمَّ وفق إمامنا وولي أمرنا بتوفيقك، اللهمَّ وفِّق إمامنا وولي أمرنا بتوفيقك، وأعزه بطاعتك، وأعز به دينك وأعلي به كلمتك، وأجمع بكَ كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين، اللهمَّ وفِّقه وإخوانه وأعوانه لِمَا تحبُّ وترضى، وخُذ بنواصيهم بالبر والتقوى، اللهمَّ وفِّق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لرعاياهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهمَّ وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويهدى فيه أهل المعصية، ويُؤمَر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنَّكَ على كل شيء قدير.اللهُمَّ عليكَ بالصَّهَاينة المحتَلِّين، اللهمَّ عليكَ بهم فإنَّهم لا يعجزونك، اللهمَّ وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المُجرمين، اللهمَّ ارفع عنَّا الغلا والوبا، اللهمَّ ارفع عنا الغلا والوبا، والربا والزِّنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.اللهم إنَّا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، والرضا بعد القضا، وبرد العيش بعد الموت، ونسألك نعيمًا لا ينفذ، وقرة عين لا تنقطع، ونسألك لذَّة النَّظَر إلى وجهك الكريم، والشَّوق إلى لقائك في غير ضَرَّاء مُضرَّة، ولا فتنة مضلة.اللهُمَّ زَيِّنا بزينة الإيمان، واجعلنا من الهُداة المُهتدين، اللهُمَّ إنَّا نسألك الثَّبات في الأمر والعزيمة على الرشد، ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، ونسألك قلوبًا سليمة، وألسنة صادقة، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بكَ من شر ما تعلم، ونستغفرك لما تعلم. اللهمَّ اشفِ مرضانا، اللهمَّ اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، واغفر لنا ولوالدينا، ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، ربنا إنَّنا ظَلَمنا أنفسنا وإلاَّ تغفر لنا وترحمنا لنكونن منَ الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.عباد الله:إنَّ اللهَ يأمُر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تَذَكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولَذِكْر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.